يا مقهورا بغلبة النفس، صل عليها بسوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك استأسرت لك، وامنعها ملذوذ مباحها ليقع الإصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على ترك المباح (فإما منّا بعد وإما فداء) ، الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتلوا الذين يلونكم) إن مالت إلى الشهوات فاكبحها بلجام التقوى،وإن أعرضت عن الطاعات فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت شراب التواني، واستحسنت ثوب البطالة فصِح عليها بصوت العزم؛ فإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، وقد إجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكمت حصن البطالة؛ فيا حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم الباب.
النفس مثل كلب السوء، متى شبع نام، وإن جاع بصبص؛ الحر يَلحى والعصا للعبد. كان أحد السلف إذا قهر بترك شهوته أقبل يهتز كالرامي إذا قرطس؛ إذا قوي عزم المجاهدة لأن له الأعداء بلا حرب. لما قويت مجاهدة نبينا صلى الله عليه وسلم تعدت إلى كل من تعدى، فأسلم شيطانه، اللهم دلنا على قهر نفوسها التي هي أقرب أعدائنا إلينا، وأكثرهم نكاية فينا، يا هذا: بدل اهتمامك بك، واسرق منك لك، فالعمر قليل، تظلم إلى ربك منك، واستنصر خالقك عليك، يأمرك بالجد، وأنت على الضد؛ تفر إلى الزحف ولكن لا إلى فئة. تطلب نيل العلى وما ارتقيت درج المجاهدة، أتروم الحصاد ولم تبذر؟ لولا إيثار " يوسف " (السجن أحب إلي) ما خرج إلى راحة (وكذلك مكنا) رُب خفض تحت السرى، وغنى من عنا، ونضرة من شحوب. لما قوّم المؤمنون أنفسهم بالرياضة وقع عقد (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) النفس لم ترض إذا لم ترض، لأنها كلب عقور، وإنما يراد الصيود لا العضوض. ويحك !! الأعضاء كالسواقي، والمياه النجسة في الثمرة، أنت تستفتح النهار بإطلاق الجوارح في صيد اللهو، فإذا حان حين الصلاة نعقت بها وليست معلمة فلا تجيب. هيهات أن يخشع طرف ما قوّمه محتسب (يغضوا) وأن يحضر قلب ما أزعجه تخويف (يعلم السر وأخفى). :: اللطائف :: لابن الجوزي - رحمه الله تعالى -. |
samedi 27 octobre 2012
::مجاهدة النفس::
Inscription à :
Publier les commentaires (Atom)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire